محمد حامد (دبي)

لا يمكن القول إنها قاعدة ثابتة، فالمدرب صاحب السيرة الذاتية القوية، والخبرات الكبيرة، يمكنه أن يحقق النجاح، ويصنع الفارق، ويقود ثورة تكتيكية في أي مكان، ومع أي كيان كروي يتولى تدريبه، فقد بصم ألبرتو زاكيروني بقوة في القارة الصفراء، بحصوله على اللقب القاري مع اليابان، وتجربته الناجحة مع الأبيض الإماراتي، وهو أحد الأسماء الكبيرة في عالم التدريب.
كما أنه لا يمكن القول إن الأسماء المجهولة أو أصحاب السير الذاتية المتواضعة هي التي تملك مفاتيح النجاح، فالأمر لا يرتبط بقاعدة بعينها، صحيح أن الروماني كوزمين على سبيل المثال لم يكن اسماً تدريبياً كبيراً قبل قدومه إلى الدوريات الخليجية، وهو ما ينطبق كذلك على زلاتكو داليتش، وغيرهما من المدربين الذين حققوا نجاحاً لافتاً في القارة الصفراء على مستوى الأندية، على الرغم من أنهم قبل قدومهم لآسيا لم يكن ممكناً تصنيفهم على قدم المساواة مع ماتشيللو ليبي، وسفين جوران إريكسون، وكارلوس كيروش، على سبيل المثال لا الحصر.
الواقع الحالي يؤشر إلى أن تجارب غالبية الأسماء الكبيرة في عالم التدريب ليست جيدة في القارة الآسيوية، خاصة العقول الأوروبية التي لم تتمكن من إثبات الذات، ولم تنجح في فرض أسلوبها على الكرة الآسيوية، ويبدو أن طبيعة كرة القدم في القارة الصفراء التي تختلف بصورة كبيرة عن نظيرتها الأوروبية، على رأس أسباب عدم نجاح مشاهير التدريب الأوروبي، فالأمر قد يرتبط بضعف بدني، وقدرات ذهنية لا تستوعب التكتيك الأوروبي، وهو ما ألمح له الإيطالي المخضرم ليبي حينما تحدث عن لاعبي الصين.
بطولة آسيا الحالية «الإمارات 2019» كتبت سيناريو النهاية في مسيرة مارشيللو ليبي، وجوران إريكسون، وكارلوس كيروش، فيما يستمر البرتعالي باولو بينتو مع كوريا الجنوبية على الرغم من حالة الغضب التي تجتاح الشارع الكوري بعد الخروج من البطولة، وضياع الحلم الذي يبحثون عنه منذ 85 عاماً، بالتتويج باللقب الآسيوي، والمفارقة أنهم يتألقون مونديالياً، ويلاحقهم الفشل قارياً، وأتى بينتو ولم ينجح في فك العقدة، وحل اللغز.

ليبي.. «غريب في الصين»
لا يمكن القول إن مارشيللو ليبي حقق قدراً من النجاح في تجربته الصينية، فقد استمر في قيادة التنين لعامين، فشل خلالهما في التأهل لمونديال روسيا 2018، وعجز عن الذهاب إلى ما هو أبعد من ربع نهائي كأس آسيا «الإمارات 2019» وكان سيناريو النهاية حزيناً بالسقوط بثلاثية أمام إيران، مما دفع الإيطالي المخضرم إلى الاستقالة، وبدا غاضباً حينما قال إنه لم يتخيل يوماً أن يرتكب اللاعبون مثل هذه الأخطاء البدائية التي أدت إلى الإخفاق، وهو تلميح إلى عدم تحمله المسؤولية، فالسبب كما يرى هو ضعف ذهنية وقدرات اللاعب الصيني.


حينما تملك تاريخاً تدريبياً كبيراً يمتد إلى ما يقرب 40 عاماً، وتقود إيطاليا للعرش المونديالي في عام 2006، وتمنح اليوفي الجزء الأكثر بريقاً في تاريخه بالحصول على لقب الدوري الإيطالي 5 مرات، وتعانق دوري الأبطال الأوروبي، وتتوج بلقب أفضل مدرب في العالم، هل يمكن أن ترحل إلى الصين التي تعيش على هامش الأمم الكروية تلبية لعرض مغرٍ، تبلغ قيمته 28 مليون دولار كل عام ؟
سؤال قد لا يستطيع مارشيللو ليبي الإجابة عليه بصورة مباشرة، ولا يمكن القول إنه أساء إلى تاريخه، أو أنه لم يفكر سوى في المال، فقد يكون للأمر علاقة بخوض غمار تحدٍ جديد مثير، وقيادة نهضة كروية في بلد على استعداد لدفع المليارات لكي يقف على قدم المساواة مع كبار الكرة العالمية، فقد أعلن الرئيس الصيني قبل عامين إن بلاده تتطلع إلى الحصول على كأس العالم لكرة القدم وليس تنظيمه، وحقيقة الأمر أن مستر ليبي لم يتمكن من وضع بصمة حقيقية في تجربته الصينية.

إريكسون.. «خطوة للخلف»
أتى الرجل الذي تصدر عناوين وواجهات أشهر صحف العالم بين عامي 2000 و2006، حينما تولى تدريب المنتخب الإنجليزي ورحل عن آسيا من دون أن يترك بصمته، وسط انطباعات تحاصره بأنه لم يكن موفقاً في التجربة الفلبينية، حيث كان يتوجب عليه العمل مستشاراً بعيداً عن تصدر المشهد كمدير فني لا يمكنه أن يجعل الفلبين أمة كروية، وهي التي لا تعرف عشقاً سوى كرة السلة، ودفع إريكسون ومعه الفلبين الثمن بالخروج من الدور الأول، وما زال الاتحاد الفلبيني يرى أنه خيار جيد للعمل مستشاراً وليس مديراً فنياً.


البرتغالي جوزيه مورينيو كان قد انتقد المدربين الكبار الذين يهرعون لتلبية نداء المال، بقبولهم عروضاً لتدريب منتخبات أو أندية مجهولة كروياً، ولا تربطها علاقة قوية بثقافة وتاريخ كرة القدم، وتحديداً تلك الكيانات الكروية خارج القارة العجوز، فقد أشار إلى أن هؤلاء لا يخدمون كرة القدم، بل يحصلون على المال فقط، مضيفاً: «إنهم يأتون للحصول على المال فقط، لم يسبق لي أن شاهدت أحدهم يقوم بتطوير اللعبة، وتغيير المفاهيم، والعمل على وضع خطط تخدم مستقبل كرة القدم».
إريكسون، يملك خبرات تدريبية تمتد إلى أكثر من 40 عاماً، خاض خلالها 17 تجربة، جعلته يعيش في قلب عاصفة الشهرة التي بدأت بفوزه بألقاب عدة مع بنفيكا البرتغالي، وتعززت بقوة حينما قاد لاتسيو للقب الدوري الإيطالي عام 2000، وتحققت شهرته الأكبر بتوليه تدريب المنتخب الإنجليزي بين عامي 2001 و2006، وعلى الرغم من ذلك فقد أتى لتدريب الفلبين ورحل من دون أن يعطي تفسيراً لهذه الخطوة أو يترك بصمة حقيقية.

كيروش.. «نهاية حزينة»
8 سنوات كاملة مع منتخب إيران، وهي التجربة التدريبية الأكبر في مسيرة المدرب البرتغالي كارلوس كيروش، صحيح أنه ليس من الأسماء التدريبية التي تحقق البطولات، ولكنه صاحب بصمة كبيرة في كثير من تجاربه، فقد تولى تدريب البرتغال، وعمل مساعداً مع السير أليكس فيرجسون في تدريب مان يونايتد، وخاض تجربة قصيرة مع الريال، فضلاً عن مشواره الآسيوي مع الأبيض الإماراتي، وناجويا الياباني، ثم التجربة الإيرانية.


ونجح كيروش في قيادة إيران لمونديالي 2014 و 2018، إلا أن الهدف الكبير لم يتحقق، وهو الحصول على كأس آسيا، مما دفعه للرحيل مباشرة عقب الإخفاق الكبير في مواجهة المنتخب الياباني، صحيح أن هذا الرحيل بدا طبيعياً وفقاً لعقده مع الاتحاد الإيراني، إلا أن السقوط الكبير بثلاثية أمام اليابان جعل النهاية تبدو أكثر مأساوية، خاصة أن بعض الترشيحات كانت تصب في مصلحة المدرب البرتغالي للتويج باللقب الآسيوي.
وفي لحظات الوداع بدا كيروش وكأنه يريد الرحيل على الطريقة البرتغالية، حيث يشتهر البرتغاليون بالتعبيرات والكلمات والتصريحات المثيرة للجدل، فقال إنه يريد أن يقتبس كلمات أغنية فرانك سيناترا الشهيرة «لقد حانت لحظة النهاية»، مما جعله يودع بطريقة نالت تفاعلاً كبيراً في الصحافة العالمية، ومن المرجح أن يتولى كيروش تدريب المنتخب الكولومبي في المرحلة المقبلة، وهو الأقل تضرراً من التجربة الآسيوية، إلا أن النهاية السيئة تجعله ينضم لقائمة من بخلت عليهم القارة الصفراء بالابتسامة الصافية، فالنهاية الكارثية أضاعت عليه الكثير من التقدير الذي كان يستحقه في مشواره كاملاً.

بينتو.. «حلم النصف قرن»
هل يمكن أن تتأهل لكأس العالم 10 مرات، وتحصل على رابع المونديال عام 2002، من دون أن تتمكن من الحصول على اللقب الآسيوي منذ 58 عاماً؟ هل يمكن أن يكون لديك اللاعب الأغلى في تاريخ آسيا؟ وكتيبة من النجوم الذي يتألقون في ملاعب أوروبا، وبرغم ذلك تودع كأس آسيا «الإمارات 2019» على يد قطر؟ هذا ما حدث للمنتخب الكوري الجنوبي في مشاركته الحالية، والآن تتجه أصابع الاتهام، وعبارات وكلمات اللوم إلى البرتغالي باولو بينتو.
بينتو تولى تدريب كوريا الجنوبية في أغسطس الماضي، مما يعني أنه لم يحصل على فرصة حقيقية لجعل كوريا الجنوبية تظهر بوجه أكثر تألقاً، إلا أن الغضب الكوري، والاعتقاد السائد أن نجوم المنتخب لديهم قدرات تؤهلهم لعرش آسيا يجعل بينتو يشعر بأن تجربته في البطولة القارية سيئة إلى حد بعيد، فقد اعتذر للشعب الكوري عقب الخروج من البطولة.


وقال بينتو للصحافة العالمية عقب الخروج الحزين: «أعتذر للجميع، أتمنى أن يتقبل الشعب الكوري اعتذاري، لم أتمكن من تحقيق أحلامكم، أنا أتحمل اللوم، وأستحق أن توجه لي الانتقادات، إنها مسؤوليتي في المقام الأول، أتعهد بأن أستمر في تقديم أفضل ما لدي لقيادة كوريا إلى تحقيق نتائج أفضل، وتقديم العروض التي يشعر عنها الكوريون بالرضا في المرحلة المقبلة».
ويستمر عقد بينتو مع الاتحاد الكوري لكرة القدم حتى مونديال 2022، ووفقاً لوسائل الإعلام الكورية، فإنه سوف يبدأ في تصفية المنتخب من بعض الأسماء لاعتبارات تتعلق بارتفاع معدل العمر، كما أنه سيبدأ في الوقت ذاته، وفي خطوة موازية لذلك، في البحث عن وجوه وأسماء شابة سواء ممن يلعبون لأندية أوروبية، أو من الأسماء الواعدة في الدوري الكوري الجنوبي، تمهيداً لخوض التصفيات الآسيوية لمونديال 2022، ورفض بينتو التعليق على الاتهامات التي تطال النجم الأشهر هيونج مين سون نجم توتنهام، وأغلى لاعب في تاريخ آسيا، والذي لم يقدم الأداء المقنع، وفشل في تسجيل أي هدف في البطولة القارية.